فصل: (الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي تَعُودُ إلَيْهِمْ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْهَدَايَا وَالضِّيَافَاتِ):

أَهْدَى إلَى رَجُلٍ شَيْئًا أَوْ أَضَافَهُ إنْ كَانَ غَالِبُ مَالِهِ مِنْ الْحَلَالِ فَلَا بَأْسَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْحَرَامَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلَ الطَّعَامَ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ وَرِثْتُهُ أَوْ اسْتَقْرَضْتُهُ مِنْ رَجُلٍ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمْ الْحُرْمَةُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ حَرَامٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَكَذَا أَكْلُ طَعَامِهِمْ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَأَمَّا هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا قَالَ تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ هَذَا إلَّا أَنِّي لَمْ أُفْتِ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ الْأُمَرَاءُ يَصْرِفُونَهَا إلَى شَهَوَاتِهِمْ وَلَهْوِهِمْ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يُمْسِكُونَ بَيْتَ الْمَالِ لِشَهَوَاتِهِمْ لَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْ السُّلْطَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْ حَرَامٍ قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَبِهِ نَأْخُذُ مَا لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا حَرَامًا بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَأَصْحَابِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَفِي شَرْحِ حِيَلِ الْخَصَّافِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّة- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَكِيمَ كَانَ يَأْخُذُ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَكَانَ يَسْتَقْرِضُ لِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ، وَمَا يَأْخُذُ مِنْ الْجَائِزَةِ يَقْضِي بِهَا دُيُونَهُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَسِيئَةً، ثُمَّ يُنْقَدُ ثَمَنَهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- سَأَلَتْ أَبَا حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَنْ الْحِيلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَجَابَنِي بِمَا ذَكَرْنَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَطْعِمَةِ الظَّلَمَةِ لِتَقْبِيحِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَزَجْرِهِمْ عَمَّا يَرْتَكِبُونَ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ، كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.
وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الَّذِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَيُفَرِّقَهَا عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَا يَقْبَلَ، قَالَ لَا يَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ قِيلَ: أَلَيْسَ إنَّ أَبَا نُصَيْرٍ أَخَذَ جَائِزَةَ إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَدَ وَإِسْمَاعِيلَ؟ قَالَ كَانَتْ لَهُمَا أَمْوَالٌ وَرِثَاهَا عَنْ أَبِيهِمَا فَقِيلَ: لَهُ لَوْ أَنَّ فَقِيرًا يَأْخُذُ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُهَا غَصْبًا أَيَحِلُّ لَهُ؟ قَالَ إنْ خَلَطَ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ دَفَعَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لَمْ يَجُزْ قَالَ الْفَقِيهُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَذَا الْجَوَابُ خَرَجَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ أُنَاسٍ مَتَى خُلِطَ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، فَقَدْ مَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ وَقَالَا لَا يَمْلِكُ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَهِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَأْكُولٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يَفْهَمُ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ بِعَيْنِهِ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ، هَكَذَا ذُكِرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَالِ السُّلْطَانِ وَيَبْنِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ، فَأَمَّا الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ الْإِجَابَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لِأَجَلِ الدَّيْنِ أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحَالُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حَالَةُ الْإِشْكَالِ إنَّمَا يَتَوَرَّعُ إذَا كَانَ يَدْعُوهُ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ يَوْمًا وَبَعْدَ الْإِقْرَاضِ جَعَلَ يَدْعُوهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ زَادَ فِي الْبَاجَّاتِ أَمَّا إذَا كَانَ يَدْعُوهُ بَعْدَ الْإِقْرَاضِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْبَاجَّاتِ فَلَا يَتَوَرَّعُ إلَّا إذَا نَصَّ أَنَّهُ أَضَافَهُ لِأَجَلِ الدَّيْنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاخْتُلِفَ فِي إجَابَةِ الدَّعْوَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَاجِبَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَقَالَتْ الْعَامَّةُ هِيَ سُنَّةٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجِيبَ إذَا كَانَتْ وَلِيمَةً وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَالْإِجَابَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إدْخَالَ السُّرُورِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَلَوْ دُعِيَ إلَى دَعْوَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْصِيَةٌ، وَلَا بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ كَانَ عَاصِيًا وَالِامْتِنَاعُ أَسْلَمُ فِي زَمَانِنَا إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بِدْعَةٌ، وَلَا مَعْصِيَةٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ أَعَلَمُ الْعُلَمَاءِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْحِيلَةُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِضِيَافَةٍ فِيهَا شُبْهَةُ الْحَرَامِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الضَّيْفِ مَلَّكْتُ هَذَا الْمَالَ لِفُلَانٍ الْفَقِيرِ فَإِذَا مَلَكَهُ صَارَ مِلْكًا لِلْفَقِيرِ، وَإِذَا صَارَ مِلْكًا لِلْفَقِيرِ لَوْ مَلَكَ غَيْرَهُ يَجُوزُ، وَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ الْفَقِيرِ يَعْنِي مِنْ مَالٍ أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا إذَا مَلَكَهَا بِجِهَةٍ أُخْرَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
لَا يُجِيبُ دَعْوَةَ الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِفِسْقِهِ، وَكَذَا دَعْوَةُ مَنْ كَانَ غَالِبُ مَالِهِ مِنْ حَرَامٍ مَا لَمْ يُخْبَرْ أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِالْعَكْسِ يُجِيبُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَفِي الرَّوْضَةِ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْفَاسِقِ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يُجِيبَهُ وَدَعْوَةُ الَّذِي أَخَذَ الْأَرْضَ مُزَارِعَةً أَوْ يَدْفَعُهَا عَلَى هَذَا، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
آكِلُ الرَّبَّا وَكَاسِبُ الْحَرَامِ أَهْدَى إلَيْهِ أَوْ أَضَافَهُ وَغَالِبُ مَالِهِ حَرَامٌ لَا يَقْبَلُ، وَلَا يَأْكُلُ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ أَصْلُهُ حَلَالٌ وَرِثَهُ أَوْ اسْتَقْرَضَهُ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ مَالِهِ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
لَا يَنْبَغِي التَّخَلُّفُ عَنْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ كَدَعْوَةِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِذَا أَجَابَ، فَقَدْ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْكُلَ لَوْ كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ يَمْنَعُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرْ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدَى بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ، وَلَا يَقْعُدُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ فَلَا يَحْضُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُقْتَدَى بِهِ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهُوَ مُحْتَرَمٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
رَجُلٌ اتَّخَذَ ضِيَافَةً لِلْقَرَابَةِ أَوْ وَلِيمَةً أَوْ اتَّخَذَ مَجْلِسًا لِأَهْلِ الْفَسَادِ فَدَعَا رَجُلًا صَالِحًا إلَى الْوَلِيمَةِ قَالُوا إنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ بِحَالٍ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِجَابَةِ مَنَعَهُمْ عَنْ فِسْقِهِمْ لَا تُبَاحُ لَهُ الْإِجَابَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ بِحَالٍ لَوْ لَمْ يُجِبْ لَا يَمْنَعُهُمْ عَنْ الْفِسْقِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجِيبَ وَيَطْعَمَ وَيُنْكِرَ مَعْصِيَتَهُمْ وَفِسْقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِمَعْصِيَةٍ اقْتَرَنَتْ بِهَا، وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ، وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ إذَا بَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالْأَقْرِبَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَإِذَا اتَّخَذَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَثِمُوا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا}، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْعُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعُرْسُ وَالْوَلِيمَةُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
حَمْلُ الطَّعَامِ إلَى صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ وَالْأَكْلُ مَعَهُمْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ لِشَغْلِهِمْ بِالْجَهَازِ، وَبَعْدَهُ يُكْرَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يُبَاحُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَيَّامِ الْمُصِيبَةِ وَإِذَا اتَّخَذَ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مِنْهُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِنْ اتَّخَذَ طَعَامًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ حَسَنًا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ بَالِغِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ لَمْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى مَائِدَةٍ فَنَاوَلَ غَيْرَهُ مِنْ طَعَامِ الْمَائِدَةِ إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرْضَى بِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَرْضَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَا يُنَاوِلُ، وَلَا يُعْطِي سَائِلًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَائِدَتَيْنِ لَا يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا إذَا تَيَقَّنُوا رِضَا رَبِّ الْبَيْتِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: ضِيَافَةٌ فِيهَا مَوَائِدُ فَأَعْطَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ عَلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى طَعَامًا لِيَأْكُلَ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَائِدَةِ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَإِنْ نَاوَلَ الضَّيْفُ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ إلَى مَنْ كَانَ ضَيْفًا مَعَهُ عَلَى الْخِوَانِ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ أَخَذَ أَنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ بَلْ يَضَعُهُ عَلَى الْمَائِدَةِ، ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَائِدَةِ وَأَكْثَرُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ عَادَةً، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ أَنْ يُعْطِيَ إنْسَانًا دَخَلَ هُنَاكَ لِطَلَبِ إنْسَانٍ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ دُونَ التَّرَدُّدِ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى وَلَدِ صَاحِبِ الْمَائِدَةِ وَعَبْدِهِ وَكَلْبِهِ وَسِنَّوْرِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الضَّيْفُ إذَا نَاوَلَ مِنْ الْمَائِدَةِ هِرَّةً لِصَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ الْخُبْزِ أَوْ قَلِيلًا مِنْ اللَّحْمِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَذِنَ عَادَةً، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ كَلْبٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ أَوْ الْخُبْزِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ فِيهِ عَادَةً، وَلَوْ نَاوَلَ الْعِظَامَ أَوْ الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ وَسِعَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْكُبْرَى.
رَجُلٌ دَعَا قَوْمًا إلَى طَعَامٍ وَفَرَّقَهُمْ عَلَى أَخْوِنَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِ هَذَا الْخِوَانِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ طَعَامِ خِوَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ إنَّمَا أَبَاحَ لِأَهْلِ كُلِّ خِوَانٍ أَنْ يَأْكُلَ مَا كَانَ عَلَى خِوَانِهِ لَا غَيْرَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الْقِيَاسُ كَذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَعْطَى مَنْ كَانَ فِي ضِيَافَةِ تِلْكَ جَازَ، وَإِنْ أَعْطَى بَعْضَ الْخَدَمِ الَّذِي هُنَاكَ جَازَ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ نَاوَلَ وَالضَّيْفَ مِنْ الْمَائِدَةِ شَيْئًا مِنْ الْخُبْزِ أَوْ قَلِيلًا مِنْ اللَّحْمِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ نَاوَلَ الطَّعَامَ الْفَاسِدَ أَوْ الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ فَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَفْعُ الزَّلَّةِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إذَا وُجِدَ الْإِذْنُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ الْمَضِيفِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
رَجُلٌ يَأْكُلُ خُبْزًا مَعَ أَهْلِهِ فَاجْتَمَعَ كِسْرَاتُ الْخُبْزِ، وَلَا يَشْتَهِيهَا أَهْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَالْبَقَرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَا يَنْبَغِي إلْقَاؤُهَا فِي النَّهْرِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِلْقَاءُ لِأَجَلِ النَّمْلِ لِيَأْكُلَ النَّمْلَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، هَكَذَا فَعَلَهُ السَّلَفُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطْعِمَ الْمَجْنُونَ الْمَيْتَةَ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ، وَإِذَا تَنَجَّسَ الْخُبْزُ أَوْ الطَّعَامُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ اللَّحْمِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَيْتَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ، وَلَا يُطْعِمُهَا الْكِلَابَ وَالْجَوَارِحَ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
يُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ يُجْلَسُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَجِبُ عَلَى الضَّيْفِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ يُجْلَسُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَرْضَى بِمَا قُدِّمَ إلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْبَيْتِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَدْعُوَ لَهُ إذَا خَرَجَ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمَضِيفُ أَحْيَانَا كُلْ مِنْ غَيْرِ إلْحَاحٍ، وَلَا يُكْثِرُ السُّكُوتَ عِنْدَ الْأَضْيَافِ، وَلَا يَغِيبُ عَنْهُمْ، وَلَا يَغْضَبُ عَلَى خَادِمِهِ عِنْدَ الْأَضْيَافِ، وَلَا يَقْتُرُ عَلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ لِأَجَلِ الْأَضْيَافِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
الْأَفْضَلُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى عِيَالِهِ وَمَا فَضَلَ يَتَصَدَّقُ، وَلَا يُعْطِي الْفَاسِقَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
يَكْرَهُ السُّكُوتُ حَالَةَ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَا يَسْكُتُ عَلَى الطَّعَامِ وَلَكِنْ يَتَكَلَّمُ بِالْمَعْرُوفِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ، كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْدُمَ الْمَضِيفُ بِنَفْسِهِ اقْتِدَاءً بِإِبْرَاهِيمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا دَعَوْتَ قَوْمًا إلَى طَعَامِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ قَلِيلًا فَجَلَسْتَ مَعَهُمْ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ خِدْمَتَكَ إيَّاهُمْ عَلَى الْمَائِدَةِ مِنْ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ كَثِيرًا فَلَا تَقُمْ مَعَهُمْ وَاخْدِمْهُمْ بِنَفْسِكَ، وَلَا تَغْضَبُ عَلَى الْخَادِمِ عِنْدَ الْأَضْيَافِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْلِسَ مَعَهُمْ مَنْ يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الطَّعَامِ وَاسْتَأْذَنُوا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ، وَإِذَا حَضَرَ الْقَوْمُ وَأَبْطَأَ آخَرُونَ فَالْحَاضِرُ أَحَقُّ أَنْ يُقَدَّمَ مِنْ الْمُتَخَلِّفِ وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الضِّيَافَةِ أَنْ لَا يُقَدِّمَ الطَّعَامَ مَا لَمْ يُقَدِّمْ الْمَاءَ لِغَسْلِ الْأَيْدِي وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ هُوَ فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيُؤَخِّرَ صَاحِبَ الصَّدْرِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَحْسَنُوا بِالْبِدَايَةِ بِصَاحِبِ الصَّدْرِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِذَا أَرَادُوا غَسْلَ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَقَدْ كَرِهُوا أَنْ يُفَرِّغَ الطَّسْتَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الدُّسُومَةَ إذَا سَالَتْ فِي الطَّسْتِ فَرُبَّمَا تَنْتَضِحُ عَلَى ثِيَابِهِ فَتُفْسِدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَكَانَ فِي الْأَمَدِ الْأَوَّلِ غَالِبُ طَعَامِهِمْ الْخُبْزَ وَالتَّمْرَ أَوْ الطَّعَامَ قَلِيلَ الدُّسُومَةِ.
وَأَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدْ أَكَلُوا الْبَاجَّاتِ وَالْأَلْوَانَ وَيُصِيبُ أَيْدِيَهُمْ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِصَبِّهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قَالَ الْفَقِيهُ: إذَا تَخَلَّلَ الرَّجُلُ فَمَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، فَإِنْ ابْتَلَعَهُ جَازَ، وَإِنْ أَلْقَاهُ جَازَ وَيُكْرَهُ الْخِلَالُ بِالرَّيْحَانِ وَبِالْآسِ وَبِخَشَبِ الرُّمَّانِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْخِلَالُ مِنْ الْخِلَافِ الْأَسْوَدِ.
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْخِلَالِ وَبِالطَّعَامِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ عِنْدَ النَّاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ ثِيَابَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُمْسِكُهُ فَإِذَا أَتَى بِالطَّسْتِ لِغَسْلِ الْيَدِ أَلْقَاهُ فِيهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُرُوءَةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْبُسْتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي النُّهْبَةِ وَنَثْرِ الدَّرَاهِمِ وَالسُّكَّرِ وَمَا رَمَى بِهِ صَاحِبَهُ):

ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ النُّهْبَةَ جَائِزَةٌ إذَا أَذِنَ صَاحِبُهُ فِيهَا إذَا وَضَعَ الرَّجُلُ مِقْدَارًا مِنْ السُّكَّرِ أَوْ عَدَدًا مِنْ الدَّرَاهِمِ بَيْنَ قَوْمٍ وَقَالَ مَنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ قَالَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
نَثْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ الَّتِي كُتِبَ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِي نَثْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ كَانَتْ عَلَيْهَا كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ بَعْضُهُمْ لَمْ يَكْرَهُوا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
لَا بَأْسَ بِنَثْرِ السُّكَّرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الضِّيَافَةِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِذَا نَثَرَ السُّكَّرَ فَحَضَرَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ النَّثْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِبَ الْمَنْثُورَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا هَلْ لَهُ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِذَا نَثَرَ السُّكَّرَ وَوَقَعَ فِي ذَيْلِ رَجُلٍ أَوْ كُمِّهِ وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ لِلْآخِذِ هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَفَصَّلَ الْجَوَابَ تَفْصِيلًا قَالَ إنْ كَانَ بَسَطَ ذَيْلَهُ أَوْ كُمَّهُ لِيَقَعَ عَلَيْهِ السُّكَّرُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ وَلَوْ أَخَذَهُ كَانَ لِصَاحِبِ الذَّيْلِ وَالْكُمِّ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ ذَيْلَهُ أَوْ كُمَّهُ لِذَلِكَ فَالسُّكْرُ لِلْآخِذِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الذَّيْلِ وَالْكُمِّ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ نَثَرَ السُّكَّرَ فِي عُرْسٍ فَوَقَعَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ آخَرُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ السُّكَّرُ وَلَوْ أَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ وَأَخَذَهُ آخَرُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
إذَا دَخَلَ مَقْصُورَةَ الْجَامِعِ وَوَجَدَ فِيهَا سُكَّرًا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ مَرَّ بِسُوقِ الفانيذ فَوَجَدَ سُكَّرًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْخُذَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ سُكَّرًا أَوْ دَرَاهِمَ لِيَنْثُرَهُ عَلَى الْعَرُوسِ فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ دَرَاهِمَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَإِذَا نَثَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ سُكَّرًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَ قَدْرَ مَا يَحْبِسُهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ هَكَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَعْضِ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ السُّكَّرَ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهُ فَإِذَا نَثَرَ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ نَفَقَ حِمَارُهُ فَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَسَلَخَهُ ثُمَّ حَضَرَ صَاحِبُ الْحِمَارِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الْجِلْدِ وَلَوْ لَمْ يُلْقِ الْحِمَارَ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهِ وَسَلَخَهُ وَأَخَذَ جِلْدَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَيَرُدَّ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا فِي شَاةٍ مَيِّتَةٍ نَبَذَهَا أَهْلُهَا فَأَخَذَ رَجُلٌ صُوفَهَا وَجِلْدَهَا وَدَبَغَهُ فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْجِلْدَ وَيَرُدُّ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ وَجَوَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ يُخَالِفُ جَوَابَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِمَارِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْمَبْطَخَةُ إذَا قُلِعَتْ وَبَقِيَتْ فِيهَا بَقِيَّةٌ فَانْتَهَبَ النَّاسُ ذَلِكَ إنْ كَانَ تَرَكَهَا لِيَأْخُذَهَا النَّاسُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَمَلَ زَرْعَهُ وَبَقِيَ مِنْهُ سَنَابِلُ إنْ تَرَكَ مَا يُتْرَكُ عَادَةً لِيَأْخُذَهُ النَّاسُ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا وَلَوْ رَفَعَ الزَّرْعَ وَبَقِيَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِثْلَ مَا يَتْرُكُ النَّاسُ عَادَةً فَسَقَاهَا رَبُّ الْأَرْضِ وَنَبَتَتْ بِسَقْيِهِ فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي تَعُودُ إلَيْهِمْ):

لَا بَأْسَ بِدُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
فِي الْيَتِيمَةِ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُقُّ الدُّخُولِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ اشْتَرَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارًا فِي الْمِصْرِ لِيَتَّخِذُوهَا مَقْبَرَةً قَالَ لَمَّا مَلَكُوهَا يَفْعَلُونَ فِيهَا مَا شَاءُوا وَإِنْ أَضَرَّ بِبُيُوتِ الْجِيرَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّخَذُوا بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى.
لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزُّنَّارِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ يُؤْخَذُ عَهْدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بالكستيجات قَالَ مَرَّةً لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ وَمَرَّةً قَالَ إنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِهِ إذَا كَانُوا كَثِيرًا لِيَعْرِفُوا كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
يُكْرَهُ لِلْمَشْهُورِ الْمُقْتَدَى بِهِ الِاخْتِلَاطُ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يَعْظُمُ أَمْرُهُ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ وَلَوْ كَانَ رَجُلًا لَا يُعْرَفُ يُدَارِيهِ لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ لَا تَنْصِبُ فِي بَيْتِهِ صَلِيبًا وَتُصَلِّي فِي بَيْتِهِ حَيْثُ شَاءَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْمُرَ جَارِيَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَجْبُرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالُوا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَتِيمَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَدَعُ مُشْرِكًا يَضْرِبُ الْبَرْبَطَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ شَيْءٍ أَمْنَعُ مِنْهُ الْمُسْلِمَ فَإِنِّي أَمْنَعُ مِنْهُ الْمُشْرِكَ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْغَسْلِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِيهَا قَبْلَ الْغَسْلِ جَازَ وَلَا يَكُونُ آكِلًا وَلَا شَارِبًا حَرَامًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِنَجَاسَةِ الْأَوَانِي فَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ مِنْهَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَلَوْ شَرِبَ أَوْ أَكَلَ كَانَ شَارِبًا وَآكِلًا حَرَامًا وَهُوَ نَظِيرُ سُؤْرِ الدَّجَاجَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِنْقَارِهَا نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَالصَّلَاةُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ نَظِيرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ أَوَانَيْهِمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ سَرَاوِيلَهُمْ نَجِسَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَلَوْ صَلَّى يَجُوزُ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كُلِّهِ مِنْ الذَّبَائِحِ وَغَيْرِهَا وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكَذَا يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَنَصَارَى الْعَرَبِ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْمَجُوسِ كُلِّهِ إلَّا الذَّبِيحَةَ، فَإِنَّ ذَبِيحَتَهُمْ حَرَامٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ مَعَ الْمَجُوسِيِّ وَمَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ الْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَاتِبِ أَنَّهُ إنْ اُبْتُلِيَ بِهِ الْمُسْلِمُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا الدَّوَامُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا كَانَ لَا يُزَمْزِمُ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ يُزَمْزِمُ فَلَا يَأْكُلُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَلَا يَأْكُلُ مَعَهُ حَالَ مَا يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَلَا بَأْسَ بِضِيَافَةِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا مَعْرِفَةٌ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَفِي التَّفَارِيقِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُضِيفَ كَافِرًا لِقَرَابَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَلَا بَأْسَ بِالذَّهَابِ إلَى ضِيَافَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أُضْحِيَّةِ النَّوَازِلِ الْمَجُوسِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا دَعَا رَجُلًا إلَى طَعَامِهِ تُكْرَهُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي نَصْرَانِيًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ يُخَالِفُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمَ وَالْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَأَرَادَ بِالْمُحَارَبِ الْمُسْتَأْمَنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصِلَهُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْحَالُ حَالَ صُلْحٍ وَمُسَالَمَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِلَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي صِلَةِ الْمُسْلِمِ الْمُشْرِكَ.
وَجِئْنَا إلَى صِلَةِ الْمُشْرِكِ الْمُسْلِمَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَخْبَارًا مُتَعَارِضَةً فِي بَعْضِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ هَدَايَا الْمُشْرِكِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَعِبَارَةُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْ شَخْصٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يُقَاتِلُهُمْ طَمَعًا فِي الْمَالِ لَا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَبِلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ مِنْ شَخْصٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يُقَاتِلُهُمْ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَلِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ الْعُلْيَا لَا لِطَلَبِ الْمَالِ وَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ جَائِزٌ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ وَفَّقَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْ شَخْصٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ مِنْهُ لَا يَقِلُّ صَلَابَتَهُ وَعِزَّتَهُ فِي حَقِّهِ وَيَلِينُ لَهُ بِسَبَبِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَقَبِلَ مِنْ شَخْصٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقِلُّ صَلَابَتُهُ وَعِزَّتُهُ فِي حَقِّهِ وَلَا يَلِينُ بِسَبَبِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ مُعَامَلَةٌ إذَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ لِامْرَأَةٍ وَالِدَانِ كَافِرَانِ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا وَبِرُّهُمَا وَخِدْمَتُهُمَا وَزِيَارَتُهُمَا فَإِنْ خَافَ أَنْ يَجْلِبَاهُ إلَى الْكُفْرِ إنْ زَارَهُمَا جَازَ أَنْ لَا يَزُورَهُمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَا يَدْعُو لِلذِّمِّيِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْهُدَى جَازَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ {اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
إذَا قَالَ لِلذِّمِّيِّ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك إنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُطِيلُ بَقَاءَهُ لِيُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ عَنْ ذُلٍّ وَصَغَارٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَوْ يَنْوِ شَيْئًا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ دَعَا لِلذِّمِّيِّ بِطُولِ الْعُمْرِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ فِي طُولِ عُمْرِهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَهُمْ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْعَافِيَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا كَتَبْت إلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ فِي الْحَاجَةِ فَاكْتُبْ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتْبَعْ الْهُدَى وَيَلْقَى الْكَافِرَ وَالْمُبْتَدِعَ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ تُكْرَهُ الْمُصَافَحَةُ مَعَ الذِّمِّيِّ وَإِنْ صَافَحَهُ يَغْسِلُ يَدَهُ إنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.
وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْمُسْلِمِ جَارَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْغَيْبَةِ وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْمُصَافَحَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَفِي الْمَجُوسِيِّ اخْتِلَافٌ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ.
وَيَجُوزُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ قَالَ لِوَالِدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ فِي تَعْزِيَتِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْهُ وَأَصْلَحَك أَيْ أَصْلَحَك بِالْإِسْلَامِ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِهِ تَظْهَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى الذِّمِّيِّ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ ارْتَدَّ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا مَجُوسِيًّا فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَقَالَ إنْ بِعْتنِي مِنْ مُسْلِمٍ قَتَلْت نَفْسِي جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
لَا يُتْرَكُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ فِي مِلْكِ ذِمِّيٍّ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ إنْ كَانَ مَحَلَّ الْبَيْعِ كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ هَلْ يُبَاحُ لِلْخَادِمِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْدِمَهُ قَالَ إنْ خَدَمَهُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ خَدَمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ يُنْظَرُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُمِيلَ قَلْبَهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ تَعْظِيمًا لِلْيَهُودِيِّ دُونَ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ إنْ قَامَ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ قَامَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا أَوْ قَامَ طَمَعًا لِغِنَاهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ عَنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَلَا يَكْتُبُهُ وَلَا يَتَعَلَّمُهُ وَلَا يُسْتَدَلُّ لِإِثْبَاتِ الْمَطَالِبِ بِمَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَذْكُورِ فِي أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ وَصُحُفِ الْإِنْجِيلِ فَذَلِكَ لِلْإِلْزَامِ عَلَيْهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْكَسْبِ):

(وَهُوَ أَنْوَاعٌ) فَرْضٌ وَهُوَ الْكَسْبُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِنْ اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ مُعْسِرَانِ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْكَسْبُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَاسِيَ بِهِ فَقِيرًا أَوْ يُجَازِيَ بِهِ قَرِيبًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ.
وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلزِّيَادَةِ وَالتَّجَمُّلُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حِلٍّ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَالِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ والخانقاهات وَأَنْكَرُوا الْكَسْبَ وَأَعْيُنُهُمْ طَامِحَةٌ وَأَيْدِيهِمْ مَادَّةٌ إلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الْمُتَوَكِّلَةَ وَلَيْسُوا كَذَلِكَ هَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ قَوْمٌ فَيَعْتَزِلُوا إلَى مَوْضِعٍ وَيَمْتَنِعُوا عَنْ الطَّيِّبَاتِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَيُفْرِغُونَ أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ وَكَسْبُ الْحَلَالِ وَلُزُومُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْأَمْصَارِ أَحَبُّ وَأَلْزَمُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قِيلَ كُلُّ قَارِئٍ تَرَكَ الْكَسْبَ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ مِنْ دِينِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَأَفْضَلُ أَسْبَابِ الْكَسْبِ الْجِهَادُ ثُمَّ التِّجَارَةُ ثُمَّ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَالتِّجَارَةُ أَفْضَلُ مِنْ الزِّرَاعَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ تَغْزِلُ فِي دَارِ رَجُلٍ وَيُعْطِيهَا كُلَّ يَوْمٍ قُطْنًا وَخُبْزًا فَالْغَزْلُ يَطِيبُ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا الْغَزْلَ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
غَزْلُ الرَّجُلِ إذَا كَانَ عَلَى مِثَالِ غَزْلِ الْمَرْأَةِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِنَّ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَمَا جَمَعَ السَّائِلُ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ خَبِيثٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْمُنْتَقَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي امْرَأَةٍ نَائِحَةٍ أَوْ صَاحِبِ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ اكْتَسَبَ مَالًا قَالَ إنْ كَانَ عَلَى شَرْطٍ رَدَّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ إنْ عَرَفَهُمْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ عَلَى شَرْطٍ إنْ شَرَطُوا لَهَا فِي أَوَّلِهِ مَالًا بِإِزَاءِ النِّيَاحَةِ أَوْ بِإِزَاءِ الْغِنَاءِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَخْذُ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ الْأَخْذُ مَعْصِيَةً وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعَاصِي رَدُّهَا وَذَلِكَ هَاهُنَا بِرَدِّ الْمَأْخُوذِ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهِ بِأَنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ وَبِالتَّصَدُّقِ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لِيَصِلَ إلَيْهِ نَفْعُ مَالِهِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَخْذُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَكُنْ الْأَخْذُ مَعْصِيَةً وَالدَّفْعُ حَصَلَ مِنْ الْمَالِكِ بِرِضَاهُ فَيَكُونُ لَهُ وَيَكُونُ حَلَالًا لَهُ.
عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَسْبِ الْمُغَنِّيَةِ إنْ قُضِيَ بِهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَهُوَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا إذَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يَسَعُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ.
ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْكَسْبِ كَسْبُ الْخَصِيِّ مَكْرُوهٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَا اكْتَسَبَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ خَصِيًّا وَخِصَاؤُهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
يَبِيعُ تَعْوِيذًا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ وَيَكْتُبُ فِيهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ وَيَأْخُذُ عَلَيْهَا مَالًا وَيَقُولُ أَنَا أَدْفَعُ هَذَا هَدِيَّةً لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْكُبْرَى.
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَكَسْبُهُ خَبِيثٌ فَالْأَوْلَى لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرُدُّوا الْمَالَ إلَى أَرْبَابِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أَرْبَابَهُ تَصَدَّقُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَابْنُهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَمَاتَ الْأَبُ وَلَا يَعْلَمُ الِابْنُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالْوَرَعُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ بِنِيَّةِ خُصَمَاءِ أَبِيهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْمٍ وَرِثُوا خَمْرًا وَهُمْ مُسْلِمُونَ لَا يُقْسَمُ الْخَمْرُ بَيْنَهُمْ وَلَكِنْ يُخَلَّلُ ثُمَّ يُقْسَمُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
لَهُ مَالٌ فِيهِ شُبْهَةٌ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى أَبِيهِ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصَدُّقُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا إذَا كَانَ ابْنُهُ مَعَهُ حِينَ كَانَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَفِيهَا بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ فَوَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِابْنِهِ هَذَا خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَجَمَعَ الْمَالَ مِنْ أَخْذِ الْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِأَحَدٍ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فِي دِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَسَعُهُ أَكْلُهُ حُكْمًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْمُطْعِمِ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ أَفْضَلُ مِنْ الشُّكْرِ عَلَى الْغِنَى، الِامْتِنَاعُ مِنْ الْكَسْبِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ عَلَى قَصْدِ الْإِنْفَاقِ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.